المراقبة

Original price was: ريال  40.00.Current price is: ريال  36.00.

ماذا نتوقع حين تحّول مواطنةٌ أفغانية قاعدةً في الجيش الأميركي بأكملها إلى رهائن؟ هذا السؤال المحرك ‏الذي حوّله الروائي جويديب روي – باتاتشاريا في روايته (المراقبة – ‏The Watch‏) إلى قضية ‏موضوعية ‏‎(Thematic Statement)‎‏ تسرد عالم الحرب الأميركية الأخيرة في أفغانستان في دائرة تجمع ‏بين بسالة أنتيغون” شخصية في الأدب اليوناني القديم، رسمها سوفوكليس، بصورة متحدية ومستعدة ‏للمخاطرة بحياتها كي يحظى جسد أخيها بطقوس الدفن المناسبة، وبين شخصية معاصرة من الباشتون ‏وهي “نظام” رسمها الروائي وشكّلها على غرار أنتيغون كي تواجه مصيراً مشابهاً لِما وصلت إليه أنتيغون ‏في المأساة اليونانية.‏‎‎ينفتح المشهد الروائي في “المراقبة” على موقع القتال “تارساندان” في مقاطعة قندهار/أفغانستان حيث ألقى ‏الأميركان قنبلة أفنت عائلة من الباشتون بكاملها، وفتاة شابة تجر عربتها تنظر بعيداً إلى الجبال التي ‏أمضت عمرها فيها. هي “نظام” الناجية الوحيدة من الهجوم على منزلها، وقد بدت بدون ساقين؛ بدأت ‏رحلتها وهي تضغط الأرض براحتي كفها تدفع عربتها إلى الأمام، تمضي عبر المسارات الجبلية الوعرة، ‏قاصدة قاعدة للجيش الأميركي احتفظت بجثة أخيها فقررت المطالبة بها لكي تدفنها وفقاً للشريعة ‏الإسلامية، لقد كان يوسفاً في نظرها ذلك البطل الباشتوني الذي قاوم الطالبان واستشهد وهو يحارب الغزاة ‏الأميركان، باقتحامه معقلاً لهم. أما بالنسبة للأميركان فقد كان قائداً طالبانياً وإرهابياً ومتمرداً تسبب بموت ‏رجال القيادة لذلك وجب التخلص منه.‏‎‎تصل “نظام” إلى القاعدة وتطالب بجثة أخيها فتواجه بالرفض والحذر، ويتم التعامل معها كانتحارية.. أما ‏بالنسبة إلى جثة أخيها فيخبرها الجنود الأميركان إنهم بانتظار قدوم رجال سيأتون بالطائرة المروحية لأخذ ‏جثته إلى كابول، حيث سيعرضونها هناك على شاشات التلفاز، ويجرون مقابلات مع الوزراء والجنرالات ‏عن المعركة…‏لقد أراد الأميركان من عرض الجثة استعراض قوتهم بإرسال رسالة واضحة لكلا الجانبين: ناخبيهم ‏وخصومهم معاً. إنهم يقولون لحركة طالبان: أنت تناصبينا العداء، وسينتهي بك الأمر مثل هذا المسكين، ‏ولمؤيديهم يقولون نحن لن نقدّم المزيد من الادعاءات الخاطئة المرتكزة على صور مفبركة من الآن ‏فصاعداً.‏‎‎بهذه الكيفية تُبرز رواية “المراقبة” كواليس السياسة العسكرية والإعلامية للأميركان. تشخّص المدى ‏الأقصى لنبذ واستئصال كل ما يهدد مصالحهم – وصول طالبان إلى السلطة – فيبدو المشهد الروائي ‏برمته أشبه ما يكون بكابوس عبثيّ، يضع القارئ أمام عنفين: عنف القوة الأميركية وعنف الأصولية ‏والمتمردين الأفغان.. ولإن الرواية لا تخاطب الباحث عن التسلية والتشويق فحسب، بل القارئ الباحث عن ‏الحقيقة فيما يقرأ. فـ “المراقبة” هنا تصور الأيديولوجيا التي يحملها الطرفان المتحاربان ويتم تظهير ذلك ‏عبر الأحداث والوقائع السردية والأجواء النفسية والعسكرية والمحيط العام الذي يحتضن المأزق الواقعي ‏الذي وقع فيه طرفي الصراع. “أناسه قتلوا أناسنا”؛ “لقد هاجمكم لأنكم هاجمتمونا أولاً”؛ “تحت حكم الطالبان ‏كانت أسرتي على قيد الحياة. والآن هم أموات. أيهما أفضل؟ الحياة أم الحرية؟”. عندئذٍ، والحال هذه، ‏تصبح المهمة الأخلاقية المنوطة بالكتابة، هي تصويرُ الآلية التي يتم فيها قتل البشر والذرائع التي تبيح ‏هدر الدماء، كما يصبح من أهدافها إحياء الذكرى، ذكرى الضحايا، وهذا ما فعله الروائي باتاتشاريا في ‏رواية ملحمية سيخلدها التاريخ حتماً.‏‎‎يقول الروائي جويديب روي – باتاتشاريا: “… حاولت في رواية “المراقبة -، أن أتخذ موقفاً معتدلاً. أنا ‏أدخل النزاع، لا كمحارب، بل كوعاء تتردد من خلاله أصداء أصوات الأشخاص الذين لا صوت لهم، لكل من ‏أُبعِد إلى ما أصفه بـ “أرض الأضرار الجانبية الإحصائية” التي لا تنتمي لأحد، بالإضافة إلى أولئك الذين ‏أرسلوا للقتال، والذين يعانون من الصدمات النفسية، والناجين الممزقين نفسياً. إني بتشكيلي لبطلة روايتي ‏الشخصية بشكل واضح على غرار أنتيغون، إنما أعرض شخصية من الدراما التراجيدية اليونانية – لعلها ‏أنقى الشخصيات فيها – من أجل تمكين القارئ المعاصر من الشعور بحزنها. حزنٌ هائل اكتسبنا، بالرغم ‏من سلامة نواياها، مناعة تجاه التأثر به في عصر الحرب المتواصلة بلا توقف. إن ما يفسر التركيز على ‏المأساة اليونانية هو الأهمية التي توليها الأخيرة لكرامة الإنسان وشرفه. لقد غيرت التكنولوجيا الحديثة ‏الحرب عما كانت عليه في عصر سوفوكليس تغيرات لا يمكن إدراكها، إذ إنها جردت البشرية من شرفها ‏وكرامتها. إن ضحايا المعارك، خاصتنا، يتم تهريبهم تحت جنح الظلام، وعدونا يحترق حتى يصبح رماداً ‏بواسطة الطائرات بلا طيار. رواية “المراقبة” هي استعادة لما فقدناه، وتحية للسلف اليوناني الموغل قدماً ‏في الزمن. من خلالها، أوجدت مساحة صغيرة لأنتيغون الآتية من مدينة طيبة، مع إرادتها وعزمها الذي لا ‏يضاهى، لأن تسير بيننا مرة أخرى، ولو للحظة واحدة حتى، محاطة بالثبات الوحشي والراسخ لروحها، ‏ومشكّلةً جرس تنبيه ضروري لنا، وجاعلةً من هذه الرواية زجاجاً ننظر من خلاله لما يجري

المراقبة
المراقبة
This site uses cookies to offer you a better browsing experience. By browsing this website, you agree to our use of cookies.