ص ب 1003‎

ابتداءً من العنوان (ص.ب: 1003) وانتهاء بآخر مشهد في الرواية يحيلنا سلطان العميمي إلى عالم البريد: الرسائل المكتوبة على الورق” في ثمانينيات القرن المنصرم قبل أن يدخل عالم البريد الإلكتروني “الإنترنت” حياتنا ملغياً عصراً طالما حفر في الذاكرة الوجدانية لأجيال خلت بـما كان يحمله معه من الفرح والحنين والذكريات والأشواق والأسرار، يحمل كل ما يمكن تخيله من أسرار بشرية من بقايا أرواح انسكبت على الورق، واختبأت في أظرف تطوف دول العالم، وانتقلت من يد إلى أخرى، لتصل في النهاية إلى يد متلهفة، وعيون تحتضن ما تناثر من مشاعر على صدر الورق. – في الحكاية تقع (عليا) الشابة الإماراتية المقيمة بهدف الدراسة في لندن على صورة (عيسى) وعنوانه في صفحة “المراسلة والتعارف” في إحدى المجلات، فتتوقف عند اسمه الذي يثير فيها الحنين إلى واحد من أبناء الجيران الذي كانت تميل إليه في طفولتها ويدعى عيسى؛ يعمل موظفاً في إدارة البريد في منطقة “الذيد” الإماراتية، وهو يهوى المراسلة وجمع الطوابع البريدية، هذا الاسم وارتباطه بذكريات الطفولة هو الحافز الذي جعل من عليا تبدأ بعملية المراسلة، ومن هنا تبدأ العلاقة بين الاثنين والتي لم تتعد حدود الرسائل المكتوبة ومخيلة كل طرف عن الآخر الذي يراسله، تتوالى الرسائل والمناقشات والأفكار التي يعبر كل طرف فيها عن وجهة نظره بين عالمين مختلفين (شرق – غرب) حتى يأتي ذلك اليوم الذي تنقطع فيه رسائل عيسى!! – في هذه الأثناء يتم تعيين الشاب (يوسف) المتخرج من الجامعة قسم “العلاقات العامة” في إدارة البريد بعد رحيل عيسى بحادث سير؛ فيحل محله في الوظيفة ثم ما يلبث أن يحل محله في لعب دور شخصية عيسى المتوفى وذلك بعد أن قرأ رسائل عليا وقرر البدء بخوض هذه اللعبة… ولن يمر وقت طويل حتى يكتشف كل طرف (عليا) و (يوسف) أنه وقع ضحية الخدعة نفسها “خدعة الأقنعة” وهي المراسلة بأقنعة تخفي الحقيقة. – عبر هذا الفضاء التراسلي يعيد سلطان العميمي إلى أدب الرسائل بريقه؛ ما يجعل من “ص.ب: 1003” بمواصفاتها الفنية وتقنياتها عملاً روائياً ناضجاً، متماسكاً، تتحقق فيه روائية الرواية بامتياز.