أصيل – سيرة في رواية

هذا الكتاب ليس سيره ذاتيه لشخص، كما قد يبدو من غلافه؛ بل سيره ذاتيه لمجتمع، ولثقافه مهيمنه على ذلك المجتمع. سيره العم جابر (اصيل) تمثِّل سيره (القبيله) في الجزيره العربيه، وتحديدًا في ما قبل نشوء (الدوله) السعوديه وبُعيد نشوئها. ضَغْط القبيله بوصفها مكوِّنًا وجوديًّا للانسان، وليس مجرد احد عناصر هُويّته، هو الذي دفع فتى في عمر التاسعه ان يسير مده ١٤ يومًا مشيًا على الاقدام، من شرق الجزيره العربيه الى وسطها، ويتعرض خلال رحلته تلك الى متاهه الرمال والاحراش، والذئاب والضباع، يفعل كل ذلك من اجل تاكيد الانتماء الى قبيلته التي وُلد ونشا بعيدًا عنها لدى قبيله اخواله، حيث وصفه احدهم في اثناء عراك اطفال بـ(الاجنبي)، فكانت هذه الكلمه التي جعلت الطفل يخوض رحله انتحاريه من اجل اعاده الاعتبار لنفسه! لكنَّ هذا البدوي العنيد الذي توقعنا ان يترعرع ليصبح (شيخ قبيله) فاجا كل من حوله -بمن فيهم قراء هذا الكتاب- ليتحول في منتصف عمره من (بدوي) الى (قروي)، يقتني البقره في بيته الطيني بعد ان كان شغوفًا برعي الابل في الصحراء، ويعتني بالنخيل في بستان بيته بعد ان كان يعتني ببيت الشَّعر والاغنام. هل انتهت (القبيله) وعصبياتها في مجتمعنا الان؟ لا، لكنها لم تعد الوسيله الوحيده، ولا الوسيله الاهم للتعبير عن الهويه ولاظهار الاعتداد. هذه الروايه/ السيره مليئه بمعالم اجتماعيه لانسانٍ من اهل الجزيره العربيه استجاب بارادته، القويه دومًا، لتحولات مجتمع الجزيره العربيه من الارتهان للقبيله والبداوه الى فضاء الدوله والمدنيه، لكن مع اصرار صلب لديه في الابقاء على (قيم) اساسيه غير خاضعه للتنازل! زياد الدريس