يطمح الكتاب النقدي الصادر حديثًا إلى الإجابة عن عدد من الأسئلة، وهي: من مؤلف كتاب “التيجان في ملوك حمير”؟ وما النوع الذي يمكن أن ينتمي إليه كتاب “التِّيجان”؟ وكيف يتمكن التحقق من ذلك؟ وينتقل بعد ذلك إلى أسئلة أخرى، مثل: : كيف يمكن الكشف عن بنيات كتاب “التِّيجان” البسيطة منها والمعقدة، وهل يمكن أن نصنفه في إطار السّرد التاريخي أم السّرد المتخيل؟ وما الآليات السّردية العامة التي اعتمدها راويه؟ لذلك كان الهدف العام لهذه الدراسة هو الوصول إلى تحديد منهجي علمي، يُعرف به أصل كتاب “التِّيجان”، والنوع الذي ينتمي إليه، وآلياته الداخلية التي تتحكم في إنتاج حكاياته. ولن يتحقق هذا الهدف إلا باستخراج القوانين السّردية، التي تحكَّم راوي الكتاب فيها، وبثّها في مرويّاته، ولذلك كانت محاولة الكشف عن جماليَّات الكتاب باستخراج قوانينه العامة مطلبًا للدراسة، وخطوة أولية في تحديد سماته، وإبراز ما يضمّه من التقنيات السّردية المحفزة، والوظائف المتصلة بمصادر التناص فيه.
يعد هذا الكتاب أحد أبرز الكتب التي مثلت بدايات تجسيد القصّ الشعبي في الثقافة العربية؛ إذ حمل إلينا بدايات تشكل السيرة الشعبية العربية، وكانت عنوان مرحلة الاستهلال لها، لذلك كانت دراسة الكتاب ومحاولة فهمه، في ضوء المناهج النقدية الحديثة، خطوة أولية لمعرفة سمات بدايات التشكل للوعي السّردي العربي، المتصل بالثقافة الشفاهية الشعبية، فكما كان الكتاب تمثيلًا لمرحلة تاريخية مهمة في موقعه، فهو يمثل مرحلة فنية لا تقل أهمية في صياغات السّرد الشعبي، وتحولات أنواعه، ولذلك فإن دراسته ستسهم في الكشف عن أبعاد أكثر أهمية؛ تتصل بالأنواع السّردية القديمة وتحولاتها، وبالبنيات الحكائية فيه، وبالسياقات الثقافية له.
إن الحاجة إلى مراجعة هذا الكتاب وغيره من كتب التراث السردي القديم، بصورة علمية ومحايدة أضحت ماسّة، على أن تتناول هذه الدراسات الجوانب الفنية فيها، دون النظر إلى صدق الأحداث أو كذبها، ولو وجِّهت الدراسات النقدية العربية المتخصصة إلى هذا الاتجاه لخرجت بمزيد من الأطروحات التي ستغير المنظور العام تجاه الآداب الشعبية العربية.